الدرس 15: الوشيعة، التحريض الذاتي

التحريض الذاتي

باسم الله الرحمان الرحيم

وصلى الله وسلم على مولانا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه.

الموضوع: الوشيعة، التحريض الذاتي Auto-induction

مميزات وشيعة:

      توجد عدة مميزات للوشيعة، وكوننا كمبتدئين في هاته المرحلة، سأذكر مقدارين فقط هما: المقاومة الداخلية ومعامل التحريض. 

1- المقاومة الداخلية

      عرفنا سابقا بان الوشيعة ثنائي قطب يتكون من سلك موصل ملفوف حول أسطوانة عازلة. وبما أن الأسلاك الموصلة الملفوفة أو غير الملفوفة تتصرف كمقاومات كهربائية عندما يمر فيها تيار كهربائي مستمر، فإن الوشيعة ستتصرف كمقاومة كهربائية كذلك. و تتعلق مقاومتها كباقي الأسلاك الموصلة بطولها L، ومقطعها S، ونوعيتها. وتترجم العلاقة التالية هذه الخاصية:

      بالنسبة للوشيعة هاته المقاومة يطلق عليها اسم المقاومة الداخلية للوشيعة. و يرمز لها بالحرف r ووحدتها الأوم كذلك.

2-معامل التحريض

      تتميز الوشيعة كذلك بمعامل تحريضها، و هو يعبر عن طول الوشيعة و مساحة لفة واحدة للوشيعة و عدد لفات هاته الأخيرة. و يمكن حسابها بالعلاقة التالية:

تبقى هاته العلاقة صحيحة ما لم يوجد بداخل الوشيعة أي نواة.

    
     وهاته بعض رموز الوشيعة في الدارات الكهربائية:

الإبراز التجريبي لظاهرة التحريض الذاتي

      لقد رأينا سابقا أن أي تغير للمجال المغناطيسي قرب وشيعة في دارة كهربائية، يحدث في الوشيعة قوة كهرمحركة محرَّضة.

      ونعلم كذلك أن مرور تيار كهربائي في وشيعة يحدث عبر لفاتها مجالا مغناطيسيا.

      فماذا يحدث إذا تغير هذا المجال المغناطيسي نتيجة تغير شدة التيار في الوشيعة ذاتها.

     
     ننجز الدارة الممثلة في الصورة أسفله و المكونة:

-   مصباحين (L1) و (L2) متشابهين.

-   وشيعة L مقاومتها الداخلية r

-   مقاومة كهربائية مقاومتها R تساوي المقاومة الداخلية للوشيعة(R=r).

-   مولد للتوتر المستمر E.

-   قاطع التيار K.

عندما نغلق الدارة نلاحظ أن المصباح (L1) يلمع لحظيا بينما يلمع الصباح (L2) تدريجيا و لا تصل شدة إضاءته شدة إضاءة (L1) إلا بعد لحظات. أما عند فتح الدارة نلاحظ أن المصباح (L1) ينطفئ لحظيا بينما ينطفئ المصباح (L2) بعد لحظات.

 ملحوظة:

مثل هاته الدارة لا توضح كثيرا تأخر المصباح (L2) في الانطفاء إلا أني اعتمدتها عنوة لتبسيط الشرح لا غير.

      يمكن أن نستنتج من هاته التجربة أن الوشيعة تأخر إقامة التيار أي تأخر مروره كما أنها تأخر انقطاعه في الدارة الكهربائية.

      بمعنى أن الوشيعة لا تحب التغير المفاجئ للتيار الكهربائي. مثلا عند اللحظة t=0s يكون قاطع التيار مفتوح و بالتالي فإن شدة التيار في الدارة تكون منعدمة I=I1=I2=0A

     
     أما عند غلق الدارة فإن التيار I2 ستتغير قيمته كمثال من 0A إلى 1A. هنا الوشيعة ستحاول اعتراض هذا التغير المفاجئ للتيار بتأخيره قليلا. فلن تسمح له بان يصل إلى 1A إلا بعد لحظات.

     وعند فتح الدارة، فقيمة التيار I2 التي كانت تساوي 1A، أصبحت فجأة تساوي 0A، فستسعى الوشيعة جاهدة اعتراض هذا التغير في شدة التيار. فلن تسمح له أن يصل إلى 0A إلا بعد مرور لحظات. أي أن الدارة سوف يمر فيها تيار في لحظات رغم فتح قاطع التيار K.

لنفسر هاته الظاهرة

قلنا سابقا انه عندما يمر تيار في وشيعة يظهر مجالا مغناطيسيا بداخلها و بجوارها. وتحسب شدة هذا المجال المغناطيسي بالعلاقة التالية:

من خلال هاته العلاقة نلاحظ أن شدة المجال المغناطيسي B تتناسب اطرادا مع شدة التيار I. فإذا زادت أو نقصت شدة التيار زادت و نقصت شدة المجال المغناطيسي. و إذا انعدم التيار انعدمت معه شدة المجال المغناطيسي.

       قبل غلق قاطع التيار K تكون شدة التيار في الدارة منعدمة. و بالتالي تنعدم شدة المجال المغناطيسي كذلك. أي لا وجود لمجال مغناطيسي في الوشيعة. وبعد غلق قاطع التيار k ينتقل التيار من 0A إلى 2A كمثال. بالتالي فإن شدة المجال المغناطيسي سيتغير من 0T إلى قيمة معية aT مثلا. فالوشيعة لا تحب تغير المجال المغناطيسي بداخلها. لذلك سوف تخلق قوة كهرمحركة حيث منحى التيار الكهربائي المحرَّض سيعارض منحى التيار الكهربائي الأصلي للمولد الكهربائي G.

وهذا تصرف جد غريب، حيث الوشيعة هي التي أحدثت مجالا مغناطيسيا و الوشيعة ذاتها ستعارض هذا المجال المغناطيسي. فسيدخل صراع ما بين التيار المحرَّض و التيار الأصلي للمولد G. حيث التيار المحرَّض وهو الممثل باللون الأزرق (الصورة أعلاه) سيحاول جاهدا اعتراض و إيقاف التيار الأصلي للمولد وهو الممثل باللون الأزرق. لكن هاته المعركة لن تدوم طويلا، و ستنتهي لصالح التيار الأزرق الذي سيمر في الدارة بعد ذلك بدون مقاومة أو معارضة. وما هاته المعركة إلا لحظات تأخر فيها الوشيعة مرور التيار الكهربائي الأصلي.

      لذلك و من خلال التجربة الأولى نجد أن المصباح (L2) يتأخر في الإضاءة. لأن الوشيعة تعارض السبب الذي أحدث المجال المغناطيسي فيها. وهو التيار الكهربائي للمولد. لكن ليس لوقت طويلا، بل بعد لحظات فقط، سينتهي عناد الوشيعة لتسمح بعد ذلك بمرور التيار فيها بالكامل بدون معارضة. لذلك يضيء المصباح بشكل عادي.

     أما عند فتح قاطع التيار K، ستنخفض شدة التيار من 2A إلى 0A وستنخفض معها شدة المجال المغناطيسي.

ومن طباع الوشيعة أنها تعارض أي تغير للمجال المغناطيسي بداخلها، وبما أن شدة المجال في هاته الحالة تنخفض، فإن الوشيعة سوف تعارض السبب الذي أحدث هذا الانخفاض ألا وهو انخفاض التيار الأصلي. هنا ستظهر قوة كهرمحركة محرَّضة في الوشيعة بحيث يكون منحى التيار المحرَّض يوافق منحى التيار الكهربائي الأصلي. أي أن الوشيعة ستقوم بدعم التيار الأصلي و إعانته. لكن هذا الدعم لن يدوم طويلا فقط لبضع لحظات. 
 

       وهذا سلوك محير وغريب للوشيعة، كيف لها أن تعارض وتتصدى لمرور التيار الأصلي مع إقامة التيار، وتدعمه وتساعده مع انقطاعه. وكأن الوشيعة ذو الوجهين، تلعب دورين، دور الشرير و دور الصالح الودود. لذلك نجد في التجربة الأولى أن المصباح (L2) يتأخر في الانطفاء للحظات بعد فتح قاطع التيار K.

      من خلال هذا الدرس، لاحظنا أن الوشيعة تلعب في نفس الوقت دور المحرِّض لكون التيار المار فيها هو سبب تغير المجال المغناطيسي، ودور المحرَّض لكونها مقر القوة الكهرمحركة. هاته الأخيرة تسمى: القوة الكهرمحركة للتحريض الذاتي، وهي لا تظهر إلا إذا تغير التيار الكهربائي بزيادة أو نقصان. وتسمى ظاهرة التحريض الناتجة  عن تغير المجال المغناطيسي في الوشيعة ذاتها، التحريض الذاتي.

      حسب قانون لنز (Lenz)، تقاوم القوة الكهرمحركة للتحريض الذاتي السبب الذي أحدثها، أي أن القوة الكهرمحركة للتحريض الذاتي تقاوم إقامة أو انقطاع التيار في الوشيعة، مما ينتج عنه تأخير إقامة التيار عند إغلاق الدارة و تأخير انقطاعه عند فتحها.

انتهى

شكرا لكم لطيب المتابعة.

دمتم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله.